سحر بلاد ما بين النهرين : أقراص قديمة تكشف عالما من السحرة وطاردى الأرواح الشريرة


سحر بلاد ما بين النهرين : أقراص قديمة تكشف عالما من السحرة وطاردى الأرواح الشريرة 

 


بلاد ما بين النهرين القديمة كانت منطقة شاسعة فى غرب آسيا والتى أصبحت تعرف باسم "مهد الحضارة" بسبب العدد الهائل من الأعمال التى حققتها تلك الثقافة  لقد طورت الزراعة وتربية الحيوانات وتدجينها قبل 8000 عام تقريبا ، وبحلول عام 3000 ق.م كانوا قد أنشأوا أقدم مدن معروفة فى العالم واخترعوا العجلة ، مع الحلول المتقدمة للإحتياجات العملية للمجتمع ، كان هذا جنبا إلى جنب مع تقاليد متطورة من طقوس غامضة وممارسة للسحر ، والتى يتم توثيقها بشكلا واضح فى أقراص" Maqlú " ولقد تم إكتساب رؤية عميقة لحضارة بلاد ما بين النهرين من مئات الآلاف من الألواح الطينية المنقوشة بالكتابة المسمارية ، وهى واحدة من أقدم أشكال الكتابة على الأرض ، التى تركوها عندما تم فك رموز الكتابة المسمارية من قبل علماء الآثار فى منتصف القرن التاسع عشر ، كان من الممكن الوصول إلى نصوص مثل ملحمة جلجامش "تعويذة غولا " تطلب الكتابة على هذا اللوح جولا ومردوخ (الذى تم تحديده باسمه السومرى Asalluhi) للمساعدة فى علاج مريض يعتقد أنه تعرض لهجوم من قبل شبح !

لقد كانت بلاد ما بين النهرين غزيرة فى نطاق كتاباتها بالإضافة إلى ملحمة "جلجامش" ، وتحتوى مكتبة" آشوربانيبال" أيضًا على أقراص تُفصّل الحملات العسكرية والمعاهدات والحسابات التفصيلية لعهد الملك ، و Enimma Eliš (أسطورة الخلق البابلية) ، والخرائط الفلكية كما أن المعلومات اللوحية الموجودة تناقش القوانين والخرائط ، والكتيبات الطبية ، والتجارة ، والنزاعات المحلية ، والمراسلات الدبلوماسية كما تساعد النصوص على فهم الثقافة والمجتمعات فى بلاد ما بين النهرين ، ولكن بين آلاف من النقوش الدنيوية هناك بعض التى تبرز وتسلط الضوء على جوانب الحياة غير العادية فى بلاد ما بين النهرين القديمة  ، كما تشير التقديرات إلى أن 30٪ من النقوش المسمارية الأكدية الباقية تتمحور حول السحر والخوارق 



لكنها لا تمثل سحرًا بالطريقة التى نعرفها اليوم فى شكل تعاويذ سحرية وطقوس ، لكنها تمثل أكثر الأشياء المحيطة بالمجهول ، وعلى الرغم من تقدم بلاد ما بين النهرين بشكلا ملحوظا فى كثير من النواحى ، إلا أن أشياء مثل الأجسام السماوية والظواهر الطبيعية غير المتوقعة لا يمكن فهمها بشكل كامل وكثيرا ما كان ينظر إلى هذه الأشياء كمحاولة للتنبؤ وتجنب الأحداث السلبية والكثير من النقوش التى تبقت هى محاولات تفصيلية للغاية لإدراج النذر ومساعدة تجنب الكارثة ، وأحد النصوص الغامضة البارزة هو" Enuma Anu Enlil "وهو عبارة عن تفاصيل حول 7000 من الأجرام السماوية المتعلقة تحديدا بالملك والولاية ،  وتمثل تحديثات منتظمة وتقارير عن التنبؤات من قبل العلماءه الشخصيين الذين كلفوا بفك الشفرات !

وهناك مجموعة أخرى من النذر وهى "aumma ālu ina mēlê šakin" ، والتى تتكون من 120 قرصًا طينيًا وأكثر من عشرة آلاف حالة غريبة مرتبطة بوجود عدد كبير جدًا من الأشخاص وقعوا تحت تأثير الأوهام الخاصة الباطنية ! واحدة من مجموعة غير عادية من النذر هى "Šumma izbu"  التى  ترتبط بالولادات البشرية المشوهة والولادات الحيوانية الغريبة مثل الحيوانات الملتصقة ، والتى لم تكن دائما سلبية فقد كانوا مرتبطين فى الغالب بجانب الجسم  المشوه حيث كان التشوه على الجانب الأيمن سيئًا ، ولكن على اليسار ربما كان ينظر إليه على أنه محظوظ ! وعلى الرغم من أن العديد من الناس كانوا يؤمنون أو حتى يمارسون السحر البدائى فقد كان هناك أيضا سحرة محترفين فى بلاد ما بين النهرين القديمة ، حيث كانوا محترفين و متخصصين فى مجال معين من السحر ، قد يكون البعض متخصصين فى العرافة ، فى حين أن آخرين محترفون فى التعويذات ، و بالطبع كما هو الحال مع بعض المجتمعات القديمة الأخرى ، فإن العديد من أولئك الذين عملوا فى مجال لم يكن مفهوما بشكل كامل كانوا يعتبرون سحرة لذلك تم وضع العلماء والأطباء وعلماء الفلك جنبا إلى جنب معهم فى ذات المصطلح ! 



"Maqlú "الذى يعنى "حرق" وهو عمل يتألف من تسعة   أقراص ويمثل تفاصيل الإحتفال الذى يحبط ويطرد السحر الشرير وحماية الهدف المقصود من السحر السيئ ، وإضعاف الشخص الذى كان مسؤولا عن موجة الحقد أو تلك العنة ، و تحتوى الأقراص الثمانية الأولى على ما يقرب من 100 تعويذة ، بينما يعطى التاسع إتجاهات للطقوس هو عمل يهدف إلى مساعدة طارد الأرواح الشريرة ، إن أحد الجوانب الرئيسية فى سحر " Maqlú" هو إخفاء هوية الساحر ومن المثير للإهتمام ملاحظة أن الإحتفال لا يكمن فى إكتشاف من يمارس السحر ويسىء إلى المريض ، بل يختار بدلاً منه أن يحل محل الساحر بدمية لا إسم لها ويثق بأن الآلهة ستعرف من هو الهدف المقصود ، يمكننا أيضا أن نتعلم الكثير من حقيقة مواجهة السحر الشرير ، و يرسم" Maqlú " جنبا إلى جنب مع العديد من نصوص بلاد ما بين النهرين الأخرى ، صورة لمجتمع تمارس فيه السحر على حد سواء بطريقة شرعية وعلنية وأيضا بشكل غير شرعى وخبيث

أما عن شخصية " Apkallu" الذكور مع غطاء جلد السمك ! فى خلال فترة الآشوريين الجدد  قام ممارسو السحر بحماية المساحات الداخلية للمبانى عن طريق إيداع مجموعة من التماثيل تحت أرضية الغرفة للحماية ، وكان من الممكن أيضا التخصص فى هذه المجالات كمجموعة واحدة من المتصوفين الذين تخصصوا فى شكل معين من أشكال العرافة كالذين قاموا بتوقعات تستند إلى قراءة أكباد الأضاحى ! هنا قرص واحد يقدم دليلاً على ممارسة السحر بشكلا يومى وقائمة بأنواع الأحجار وإرتباطاتها السحرية بحيث يعرف المستخدم أى نوع من الحجر يحمله لجذب أو تبديد إحتياجات معينة 



كما يمكن رؤية المزيد من الأدلة على الإعتقاد اليومى وممارسة السحر فى عدد كبير من التحف الباقية ، وأيضا تم العثور على تماثيل الطين التى تمثل الآلهة والحيوانات والمخلوقات الغامضة فى جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين وكانوا فى بعض الأحيان مخبئين فى مناطق كانت منازل وقتها ، والتى كان يمكن أن ينظر إليها على أنها عرضة للوصول من قبل الأرواح والشياطين ! ومثلما يمكن إستخدام تماثيل ساحرة شريرة لصد سحرهم فى طرد الأرواح الشريرة ، وهناك أدلة على أن النساء الحوامل إرتدين المعلقات مع تمثيلات من الشيطان" لاماشتو" ، الذى كان معروفًا بمهاجمة النساء الحوامل والرضع ، فى محاولة للسيطرة على أرواحهم  !

عندما تم فك التشفير المسمارى لأول مرة فى منتصف القرن التاسع عشر ، أصبح من الممكن الوصول إلى مئات الآلاف من النصوص لأول مرة ، و من المفاجئ أن نعلم أن الناس فى بلاد ما بين النهرين القديمة كانوا متقدمين جدا ولهم الفضل فى الكثير من الإكتشافات الهامة ، كما يجب أن يكون من قبيل التوازى الرئيسى أن المجتمع الذى حقق قفزات منطقية وفكرية كثيرة سيصدق كذلك على نطاقا واسع فى السحر الذى يعتبره الكثيرون اليوم غير عقلانى ربما يمكن إعتبار إيمان بلاد ما بين النهرين بالسحر كدليل إضافى على عقلانيتهم ​​وذكائهم وقد يكون من السهل السخرية من طقوس التعويذة الموصوفة فى" Maqlú" اليوم ، لكنها قدمت الراحة والطمأنينة للمريض ، وربما الأهم من ذلك هو معاقبة الساحر و تجنب أى حاجة لمطاردة الساحرات العامة وعليه هل يمكننا إعتبار السحر جزءا لا يتجزء من التقدم والتحضر ؟ أم أمامنا الكثير حتى نتفهم ذلك ؟


أقرأ أيضا ..

الأكثر قراءه