كريسبر : بوابة إلى مستقبل مشرق أم فخ للإنسانية؟

كريسبر: بوابة إلى مستقبل مشرق أم فخ للإنسانية؟ 

فى عالم حيث العلم يتجاوز حدود الخيال، تبرز تقنية (CRISPR-Cas9) كواحدة من أعظم الإكتشافات العلمية فى القرن الحادى والعشرين، إذ تمكن البشر من تعديل الشفرة الوراثية بدقة لم يسبق لها مثيل ، لكن خلف هذا الإنجاز تكمن قصة مأساوية لعالم صينى سجن عندما تجاوز الخط الأحمر الأخلاقى ، وقبل أن تنسب جائزة نوبل لمكتشفي التقنية، دارت معارك علمية وقانونية حول أحقية الإكتشاف ، و كيف ستبدو حياة البشر عندما تصبح هذه التقنية جزءاً من حياتهم اليومية؟ وهل سنشهد عالماً خالياً من الأمراض، أم عالماً تتحكم فيه النخبة الجينية؟

العالم الصينى الذى هز العالم

فى نوفمبر 2018، صُدم المجتمع العلمى عندما أعلن العالم الصينى (هى جيانكوى ، He Jiankui) عن ولادة أول طفلين معدلين وراثياً بإستخدام تقنية (كريسبر) وهما التوأم (لولو ونانا ) ولقد ادعى (جيانكوى) أنه عدّل چين (CCR5) لجعل الأطفال مقاومين لفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) ، لكن التجربة وُصفت بـالإنتهاك الأخلاقى ، حيث أثار هذا الإعلان جدلاً واسعًا فى المجتمع العلمى، فقد اعتبر الكثيرون أن هذه التجارب غير أخلاقية وغير مسؤولة، وتم إتهامه بالتلاعب بالـچينوم البشرى دون ضوابط ، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات فى الصين، وفُصل من جامعة (SUSTech)، وأدانته منظمات مثل (منظمة الصحة العالمية (WHO) بسبب انتهاكه للقوانين الأخلاقية المتعلقة بالأبحاث على البشر.

حيث قام بإجراء تجارب على أجنة بشرية دون الحصول على موافقات مناسبة، مما أدى إلى تداعيات خطيرة على سلامة الأطفال الذين تم تعديل چيناتهم و هذا الحدث ألقى الضوء على الغياب التام للرقابة الأخلاقية فى بعض المختبرات ، والحاجة إلى تنظيم الأبحاث في مجال التعديل الچينى ، والسؤال الأساسى هنا ، هل كان هدفه علمياً أم سعياً وراء الشهرة؟


الصراع حول أحقية إكتشاف (كريسبر) قبل نوبل

قبل منح جائزة نوبل فى الكيمياء عام 2020 لـ(إيمانويل شاربنتييه ،Emmanuelle Charpentier) و(چينيفر داودنا ، Jennifer A. Doudna)، اشتعلت معركة قانونية وعلمية ، فى عام 2012 نشرت (شاربنتييه) و(داودنا) بحثاً يشرح إستخدام (CRISPR-Cas9) فى تعديل الحمض النووى خارج الخلايا البشرية ، وفى عام 2013 عالم آخر (فنغ تشانغ ، Feng Zhang) من معهد (ماساتشوستس للتكنولوجيا ، MIT)، أثبت فعالية التقنية فى الخلايا البشرية، مما أشعل نزاعا حول براءة الإختراع بين جامعتى (بيركلى و برود) ، وكانت النتيجة هى اعتراف المجتمع العلمى بمساهمة الجميع، لكن الجائزة ذهبت للعالمتين لإكتشاف تقنية تعديل الچينات .

عندما تصبح تقنية كريسبر فى متناول الجميع، سنشهد تحولات جذرية

أولا : الطب الدقيق (Precision Medicine): ‏ - علاج أمراض مثل (السرطان ، Cancer) و (التليف الكيسى ، Cystic Fibrosis) عبر إصلاح الطفرات الچينية. - تصميم أدوية شخصية بناء على الـبيانات الچينومية (Genomic Data).

ثانيا : التعديل الچينى للأجنة (Germline Editing): - احتمالية القضاء على الأمراض الوراثية، لكن مع مخاطر ظهور أطفال مصممين بمواصفات مخصصة مثل الذكاء أو الطول.

ثالثا : الثورة الزراعية (Agricultural Revolution): - محاصيل مقاومة للتغير المناخى عبر تعديل چينات النباتات (Gene-Edited Crops). المستقبل الچينى للبشرية : بين اليوتوبيا والديستوبيا يمكن أن يؤدى التقدم فى الهندسة الوراثية (Genetic Engineering) إلى القضاء على الأمراض وتحسين الصفات البشرية مثل الذكاء .

أيضاً ، قد يؤدى الإستخدام غير الأخلاقى للتكنولوچيا الچينية إلى التمييز بين البشر، حيث يمكن أن تُستخدم الچينات لتحسين الصفات العقلية والجسدية لبعض الأفراد على حساب الآخرين، مما يثير تساؤلات أخلاقية حول ما يعنيه أن نكون (أفضل) ؟ و من سيتحكم فى هذه التقنية الحكومات، الشركات، أم الأفراد؟ و هل سيتحول العالم إلى طبقتين ، المُعدلين وراثيا (Genetically Enhanced) والطبيعيين ؟

فى النهاية بين نور العلم وظلاله كما كان (بروميثيوس) الذي سرق النار من الآلهة ليعطيها للبشر، فإن تقنية (كريسبر) تمنحنا قوة خارقة لتشكيل الحياة ذاتها ، لكن النار تُضىء وتحرق، والعلماء اليوم يقفون على حافة هاوية أخلاقية ، هل سيتم إستخدام هذه القوة لبناء فردوس خال من المعاناة، أم سنسقط فى ظلام الإستعلاء الچينى؟ قد تكون الإجابة فى التوازن بين الإبتكار والحكمة، و بين رغبتنا فى التحكم فى الطبيعة وتواضعنا أمام تعقيداتها ، إن المستقبل ليس كتاباً مكتوباً، بل چينوما ننقشه بحروف من ذهب ودم .

المصدر

الأكثر قراءة