ثورة (CRISPR-Cas9 ) : مستقبل التعديل الجينى بين التحدى والجدل الأخلاقى



ثورة (CRISPR-Cas9 ) : مستقبل التعديل الجينى بين التحدى والجدل الأخلاقى 


تعد تقنية التعديل الجينى (كريسبر) واحدة من أكثر التقنيات الواعدة والأكثر إثارة للجدل فى العلوم الحديثة ، ويمكن القول إنها أسرع فرع من فروع العلم تطورًا فى القرن الحادى والعشرين. حيث بدأت تقنية (CRISPR-Cas9 ) إحداث ثورة فى تعديل الجينات ،وقد تم تطويرها لتكون أكثر كفاءة وأقل تكلفة مقارنة بالتقنيات السابقة، مما أدى إلى فوز مؤسسيها بجائزة نوبل فى الكيمياء لعام 2020.

ما هى تقنية (CRISPR-Cas9) ؟

(Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats) هي عائلة من أنظمة الحمض النووى الموجودة فى البكتيريا والعتائق، وتلعب دورًا حاسمًا فى جهاز المناعة للكائنات الحية ، وتأتى أجزاء ( CRISPR DNA ) من الجينوم، الذى يحتوى على مجموعة كاملة من التعليمات الجينية وجميع المعلومات اللازمة لبناء الكائن الحى والسماح له بالنمو والتطور، وتستخدم الخلايا نظام (CRISPR) لتحديد وتدمير العاثيات إذا حاولت إصابة الكائن الحى مرة أخرى ، أيضاً، يمكن للبكتيريا نقل الجينات بين بعضها البعض، مما يمكّن الخلايا من تبادل المعلومات حول الفيروسات ، وبهذه الطريقة، يمثل أداة فعالة فى الدفاع عن الكائنات الحية ضد التهديدات الفيروسية.

إنزيم (Cas9)

وهو ‏يعمل بمثابة مقص جزيئى يستخدم المعلومات المستمدة من (CRISPR) للعثور على أجزاء محددة من الحمض النووى و عندما يتطابق تسلسل( CRISPR ) مع تسلسل الحمض النووى المستهدف، يقوم (Cas9) بقطعه، مما يجعل إنزيم (CRISPR و Cas9) أداة قوية لجهاز المناعة ، و هذا النظام منتشر بين البكتيريا، حيث يمكن العثور عليه فى أكثر من نصف الجينومات و90٪ من جينومات البدائيات ، كما يُعتبر نظام الدفاع الأساسى للخلية ضد العاثيات، مما يجعله ضروريًا لحياة البكتيريا وتطورها .

إذن كيف يتم إستخدام آلية عمل (CRISPR-Cas9) فى تحرير الجينات؟

يتم تصميم جزىء RNA (gRNA) ) يتناسب مع التسلسل المستهدف فى الحمض النووى - يرتبط (gRNA ) مع (Cas9) ويقوم بتوجيهه إلى الموقع الصحيح فى الجينوم، حيث يقوم (Cas9 ) بقطع خيوط الحمض النووى.

- بعد القطع، تتعرف الخلية على التلف وتبدأ فى إصلاحه، مما يتيح إدخال التغييرات المطلوبة. وبالتالى ، فإن إستخدام ( CRISPR-Cas9) لإزالة أو تعديل جينات معينة، يتيح تحسين الصفات الوراثية للكائنات الحية، ويعتبر تغيير الحمض النووى هو تغيير للكائن الحى على المستوى الجزيئى، وهذا يجعل منه أداة قوية و بإستخدام التسلسل الصحيح، يمكننا تغيير طريقة الكائنات الحية وتخصيصها لإحتياجاتنا و بالطبع هناك تحديات تتعلق بالجينات التى يجب إستخدامها، ومكان إدخالها ، وكيف ستؤثر على الكائنات الحية ، وفى البحث العلمى تُستخدم لفهم وظائف الجينات المختلفة.

أيضاً، تثير تقنية ( CRISPR-Cas9 ) جدلاً واسعاً، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الأخلاقية المرتبطة بالتلاعب الجينى و تتضمن المخاوف لعب دور الرب، بالإضافة إلى القلق من تغيير جينومات الأطفال أو خلق أنواع جديدة متفوقة. لذلك فإن المسؤولية تتعلق بالتحديات المرتبطة بكيفية إستخدام هذه التقنية وتأثيرها على الكائنات الحية، مما يتطلب توازناً دقيقاً بين الإبتكار والإعتبارات الأخلاقية لضمان إستخدام آمن .

جائزة نوبل 2024

لقد حصلت إيمانويل شاربنتيير (Emmanuelle Charpentier) أستاذة فرنسية وباحثة ميكروبيولوچى ومؤسسة وحدة (ماكس بلانك ، Max Planck ) لعلوم مسببات الأمراض، و جينيفر دودنا (Jennifer Doudna) أستاذة الكيمياء بجامعة ( بيركلى، بكاليفورنيا ، Berkeley , California) وهى أيضًا محققة فى معهد (هوارد هيوز الطبى ، Howard Hughes Medical) على جائزة نوبل فى الكيمياء لعام 2020 تقديراً لجهودهما فى تطوير تقنية (CRISPR-Cas9) وهى أول جائزة نوبل فى العلوم تفوز بها سيدتان .

بعض النقاط المهمة حول تطبيق كريسبر على البشر:

لقد، تم تطبيق (تقنية كريسبر  , CRISPR) لتعديل الحمض النووى  على البشر فى بعض الحالات، حيث  تم إستخدامها فى الأبحاث لعلاج بعض الأمراض الوراثية (Genetic Diseases).

- الأبحاث السريرية (Clinical Trials):

 هناك تجارب سريرية جارية تستخدم (كريسبر ) لعلاج أمراض مثل الثلاسيميا (Thalassemia)  و مرض فقر الدم المنجلى (Sickle Cell Disease) ، وبعض أنواع السرطانات (Cancers).

- التجارب الأولية (Initial Trials): 

فى عام 2018، تم الإعلان عن أول حالة تم فيها إستخدام كريسبر لتعديل جينات بشرية فى جنين (Embryo)، مما أثار جدلاً أخلاقياً كبيراً.

- الآفاق المستقبلية : 

لا تزال الأبحاث مستمرة لفهم مدى فعالية وأمان هذه التقنية، ومن المتوقع أن تتطور التطبيقات المستقبلية لتشمل المزيد من الأمراض.

وفى النهاية ، تعتبر تقنية (CRISPR-Cas9) بمثابة نقطة تحول فى عالم العلوم لأنها تفتح آفاقًا جديدة فى فهم الجينات وتعديلها مما يمكّن البشرية من مواجهة التحديات الصحية بطرق غير مسبوقة ، وكما قالت (مارى كورى ، Marie Curie) : "لا يجب أن نخشى شيئًا فى الحياة، بل يجب أن نفهمه" ‏إن هذا الإقتباس يذكّرنا بأهمية المعرفة والتفهم فى مواجهة التحديات. لذا، يجب إستخدام تقنية (CRISPR-Cas9 ) بحذر وبمسؤولية لتحقيق فوائد علمية وأخلاقية. فهى ليست مجرد أداة للتعديل الجينى، بل هى مفتاح لفهم أعمق وإمكانية لتغيير مسار الأمراض، وتحسين نوعية الحياة ، ويجب أن نكون حذرين فى كيفية إستخدامها، لضمان أن تكون مساهمتنا فى العلم مستدامة، كما يعتمد على كيفية توجيهنا لهذه الأداة القوية، مع الإلتزام بأن نكون حراسًا لهذه الثورة العلمية، ونسعى جاهدين لتحقيق التوازن بين الابتكار والمبادئ الاخلاقية .

المصدر

الأكثر قراءة