ملاك وشيطان بين نداء السماء ونداء الأرض: هل الوعى ملائكى والجسد شيطانى ؟ وماهو سر القرين والجسد الأثيرى ؟


ملاك وشيطان بين نداء السماء ونداء الأرض: هل الوعى ملائكى والجسد شيطانى ؟ وماهو سر القرين والجسد الأثيرى ؟


ما الذي يجعل الإنسان كائنا ممزقا بين نداء السماء ونداء الأرض؟ بين الرغبة فى التجاوز والوقوع فى الشرك؟ هذه ليست مجرد معضلة أخلاقية، بل هى أثر لطبيعة البشر المزدوجة، طبيعة تجمع بين النور والطين ، بين الروح والجسد ، وتترك خلفها أطيافا وأشباحا هى بقايا هذا الصراع الأزلى و هنا ننطلق معا فى رحلة استكشافية لهذا اللغز ، لنغوص فى أعماق التاريخ، ونستعين بأدوات العلم، ونستلهم الرؤى الأسطورية لمحاولة فهم ظواهر مثل ( القرين ، The Qareen)، (الجسد الأثيرى ، The Etheric Body)، و (أشباح الموتى ، Ghosts of the Dead)، وكيفية ارتباطهم جميعا بفكرة أن الجسد البشرى قد يكون ( شيطانيا ) بينما الوعى (ملائكيا ).

دائما ، ينظر الإنسان إلى نفسه كساحة معركة بين قوتين متضادتين ، فى الماضى أطلق على هذه القوى ملائكة وشياطين و اليوم، قد نسميها الغرائز والعقل، أو ( الجهاز الحوفى والقشرة ). ولكن يبقى السؤال نفسه : ما حقيقة البشر حقا ؟ وهل الأشباح والقرائن التى تروى عنها الثقافات هى مجرد خرافات، أم أنها أدلة ملموسة على هذه الازدواجية؟ 

لنبدأ من أقدم الحكايات : إذا بدأنا بالجذور الأسطورية والصراع الأزلى داخل البشر ، نرى أن الفكرة الثنائية تعود إلى فجر التاريخ ونجد (الغنوصية ،Gnosticism)، تلك المدرسة الفكرية الباطنية، التى رأت أن العالم المادى هو إبداع كائن أدنى يسمى (الديميورغ ، Demiurge)، الذى يشبه فى صفاته الشيطان، وهو سجن للروح التى هى فى الأصل شرارة إلهية و الخلاص، وفقا لهم ، يكون بالمعرفة التى  تحرر الروح من قيود المادة ، كما إن هذه الرؤية تجد صداها فى العديد من المعتقدات مثلا : فى ( الزرادشتية) يصارع إله النور (أهورا مازدا ) إله الظلام (أنجرا ماينيو) وحتى فى التراث الإسلامى نجد مفهوم القرين، وهو شيطان موكل بكل إنسان لإغوائه، كما ورد فى الحديث النبوى "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن "،إن هذه القصص ليست مجرد محاولات لشرح تجربة بشرية عالمية بل إنها تمثل الشعور بوجود قوة داخلية خيرة وأخرى شريرة  ولكن، ماذا لو كان هذا الصراع له أساس فيزيائى وبيولوجى داخلنا؟


الثنائية تحت المجهر : علم الأعصاب والطاقة ...

يدعم العلم الحديث فكرة أن لدينا طبيعتين، لكنه يضعهما فى إطار بيولوجى حيث أن الدماغ البشرى مقسم إلى مناطق تتصارع فعليا:

(الجهاز الحوفى ،Limbic System): و يمثل الدماغ الزاحف فهو مسؤول عن الغرائز البدائية مثل الخوف والجوع والمشاعر الأخرى ، كما إنه ضرورى للبقاء، لكنه أيضا مصدر للسلوك الشيطانى الأنانى والعدوانى .

(القشرة الأمامية الجبهية ، Prefrontal Cortex): وتمثل مقعد العقلانية والتخطيط والتعاطف، وهى التى تمكن من التفكير الأخلاقى والتجريدية، مما يعزز صفة الملائكية.

لكن هذه الثنائية تتجاوز الدماغ المادى لتشمل الأجساد غير المرئية، و هنا ندخل عالم الطاقة والدقائق الخفية و وفقا للمعارف الباطنية والفيزياء الحديثة، ليس للإنسان جسد مادى فحسب، بل هناك عدة أجساد طاقية وأهمها هو (الجسد الأثيرى ) و هذا الجسد  عبارة عن هالة (Aura) أو بصمة طاقية تحيط بالجسد المادى وتسبقه فى الوجود ، وهو القالب الطاقى الذى يتبعه الجسد المادى فى النمو ، وعند الموت يفارق هذا الجسد الأثيرى الجسد المادى بعدة ثوان، وهو ما التقطته تجارب مثل تلك التى أجرتها كاميرات (كيرليان ، Kirlian Photography) ، أما الجسد النجمى أو العاطفى (Astral Body)، فهو جسد المشاعر والأحلام، وهو الذى يسافر أثناء الأحلام الواعية أو تجارب الخروج من الجسد (Out-of-Body Experiences) هذا الجسد هو الوسيط الذى يحدث فيه التفاعل مع الأطياف والقرائن.

أطياف الوجود : القرين، الأشباح والجسد الأثيرى ، كيف ترتبط هذه الأجساد بفكرة القرين والأشباح؟ هنا تكمن الروابط المثيرة

إن القرين  ليس كائنا خارجيا منفصلا تماما، بل هو - وفقا لأحدث النظريات التخمينية - التجلى الظلمانى أو الظل  لطاقة البشر الخاصة كما يمكن فهمه على أنه الجانب المنخفض التردد من الجسد الأثيرى والعاطفى، الذى تراكمت عليه كل الطاقات السلبية والميول المكبوتة والغرائز غير المعالجة خلال حياته هو (الذات الظلية) الذى رافق الجسد حتى الموت، وعندما تفارق الروح (الوعى النقى) والجسد الأثيري النقى الجسد المادى، قد يبقى هذا الظل أو القرين مرتبطا بالعالم المادى لفترة، بسبب تعلقه الشديد به ، إنه ليس شيطانا بالمعنى التقليدى، بل هو شبح بيولوجى (Biological Ghost)، سجل طاقى يحمل ذكريات ورغبات الجسد دون روحه الموجهة.

ومن هنا نصل إلى أشباح الموتى ، الكثير مما نسميه أشباحا يمكن تفسيره على أنه أحد أمرين:

1. بقايا طاقية (Energetic Residue) : مثل تسجيل طاقى على مكان ما، يكرر أحداثا ماضية بقوة العاطفة المرتبطة بها، وهو غير واع  (مشابه لظاهرة الانزياح الأحمر (Redshift) حيث تنخفض الطاقة وتصبح شبحية

2. القرين المنفصل (The Detached Qareen) : وهو الذات الظلية لإنسان متوفى، التى لم تتحرر بعد بسبب تعلقها بالجسد المادى أو موته المفاجئ ، فتتجول فى المستوى الأثيرى/ الطيفى وتظهر أحيانا كشبح واع جزئيا.


لحظة الموت واللقاء بين العالمين

تحدث اللحظة الفاصلة عند الموت ،حيث  يفرز الدماغ كميات هائلة من ثنائى ميثيل تريبتامين (DMT)، وهو أقوى مهلوس طبيعى و هذه المادة، التى يسميها البعض (جزئ الروح) ، تذيب الحدود بين الوعى والعالم المادى ، فى تلك اللحظة، يرى الإنسان النفق والضوء (تحرر الروح والجسد الأثيرى النقى)، وقد يلتقى بكيانات قد تكون ملائكة (طاقات عالية التردد) أو قرائن (أطياف من طاقته الخاصة أو طاقات أخرى منخفضة) و هذا ليس دخولا إلى الجنة أو النار فورا، بل يمثل مرحلة انتقالية حيث يتم استيعاب التجربة الأرضية.

إذا قبلنا بهذه الرؤية الموحدة، فإن السؤال لم يعد هل الجسد شيطانى والروح ملائكية؟ ، بل أصبح : كيف نتعامل مع هذه الثنائية الموجودة فى كياننا ؟ إن الجسد ليس شريرا بذاته، بل هو أداة قوية محايدة والشيطانية تأتى من سيطرة الغرائز المنفصلة عن توجيه الوعى الملائكى ، والقرين ليس عدوا يجب تدميره ، بل هو جزء من كياننا يحتاج إلى استيعاب وإضاءة  من خلال ممارسات مثل التأمل ، كما يمكننا توحيد هذه الأجزاء ، وتقوية أجسادنا الطاقية النورانية، وعندما يأتى الموت، لا يتبقى سوى النور الخالص، ويذوب الظل دون أن يترك خلفه سوى أطياف تتبدد فى النسيان ،  نحن لسنا ملائكة محبوسة فى جحيم الجسد، بل كائنات كونية تخوض تجربة أرضية غنية، وتتعلم من خلالها أن النور والظل وجهان لحقيقة واحدة . 






الأكثر قراءة